اعتبر رئيس الأركان التونسي أن الجيش حامي الثورة، ولجأ مبارك إلى الجيش المصري ليستمر بعد أن قدم انتقالاً للسلطة يعيدها إلى المؤسسة العسكرية. الثورة الشعبية هزمت الشرطة واستقبلت الجيش فاختار مبارك عمر سليمان نائباً له. كلينتون رفضت انتقال السلطة إلى اللاديمقراطية، وفي الفراغ الذي حدث كانت المناورة (الكبيرة) : الجيش المصري غير ملزم باتفاقيات دفاعية تحمي نظام الحكم بل الجيش يتحمل كل المسؤولية، وقد طرح الفريق الأمني لأوباما خطورة تراجع الديمقراطية في مصر بتعيين جنرال نائباً للرئيس ولواء رئيساً للحكومة.
لقد انقلب مبارك على نفسه وعلى حزبه وعلى ابنه كما قال المصدر الأمريكي ودفع الجميع إلى الحائط.
الثورة في مصر ثورة من أجل حكم مدني كامل وضد تدخل العسكر مجدداً في السياسة، ثورة أخرى تذكر بيوليو 1952 ضد ثورة الشارع، ثورتان في وقت واحد، وقد انحرف الوضع ضد الشعب من أجل بقاء النظام وحمايته. الدستور الذي صنعه العسكر أعاد السلطة إليهم.
أمام الجيش خياران : أن يكون نموذجه تونس أو مصر ؛ "والعيب أن يهرب الرئيس مبارك من شعبه" وهو اليوم لاجئ في يد الجيش، وبصورة ملزمة : القفزة كبرى باتجاه أن يقود الجيش كل شيء.
من جهة أخرى الإسلاميون في تونس غير الذين في مصر، راشد الغنوشي الذي تدرس كتبه في تركيا يفضل النموذج التركي الذي يحفظ للجيش التزامه بالديمقراطية والدستور. أما جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فالأمر لا يزال متوتراً.
الإسلاميون في تونس أنجحوا الثورة إلى جانب الجيش، والإخوان في مصر أضعفوا الثورة وقدموا للجيش ولمبارك ما يبرر انقلاباً مضاداً وارتداديا. فزاعة الإسلاميين انتهت كما قال أوباما – الذي يعرف الإسلام والإسلاميين - لمستشاريه.
الجيش لا يحمي النظام بل الدولة، وهذا ما جعل المهمات الرئيسة له : إعادة تقدير الأوضاع بما يكفل أن يتدخل، وقد عمل الجميع على "صناعة المبرر" لتدخله في مصر من خلال النظام، ومن طرف الشعب في ثورة تونس.
هل يمكن أن يكون النموذجان متضادان : جيش تونس حارساً للديمقراطية وجيش مصر حارساً للديكتاتورية ؟
هذا الانقسام خطير إلى حد بعيد، أولاً الجيش في تونس قام بمحاولات انقلاب فاشلة لكنه لم يحكم وثورة عسكرية ضرورية في مصر إلى جانب ثورة يناير 2011.
المجتمع مع انتخابات حرة والعسكر انضم إلى الاحتجاجات ضد التوريث، ثم انقلب على حركة الشعب عندما أعاد مبارك السلطة إلى الجيش.
حماية الثورة لم يعد لها معنى، فالثورة التي يحميها الجيش تضع أمامها خياران : حماية ثورة الشعب في مقابل تخليه عن ثورته (1952) أي حماية ثورة يوليو في مقابل ثورة يناير (الشعبية)، وهذا لن يكون.
الشرعية الثورية التي ينادي بها الشعب نازعت ثورة الجيش وبالتالي قفز العسكر خارج المعادلة.
أمريكا التي تقع بين المطرقة والسندان تقرأ الوضع من جانب واحد : أن الاتفاقيات التي وقعتها مع الجيش المصري لا تسمح لها بالضغط على الجيش ؛ ويمكن ممارسته على مؤسسة الرئاسة، وعلى مبارك، لكن الأخير لا يود "سماع أوباما" لأن تأييده الشديد لثورة تونس نقل الحراك إلى مصر. مبارك لم يقدم لأمريكا أي تنازل، وقدم كل التنازلات إلى الجيش المصري : الرئاسة والحكومة دفعة واحدة، احتل الداخلية وجعل وزيرها يعمل تحت إمرة الجيش وانطلق الجنرال طنطاوي إلى وسط القاهرة. في هذه المتابعة عبر سفير أمريكا في القاهرة عن تخوفه مما دعاه "قفزة كبرى إلى الخلف" ولم يعد مهما التوجه أكثر إلى الأمام، الثمن كان غالياً لواشنطن، إما توريث جمال والقطع مع الجيش ليكون جمال مبارك أول رئيس مدني في مصر، أو حكماً عسكريا شموليا في الرئاسة ورئاسة الحكومة في القاهرة.
نقطة تحول "كبير" في الشرق الأوسط حيث اعتبرت "يدعوت أحرنوت" وجرائد أخرى أن "شرقاً أوسطاً جديداً" أشرق، وأمريكا تريد أن يكون نصيبها "كبيراً" إلى جانب الأنظمة الجديدة وثورات الشعوب في تحول تاريخي يصعب تغاضي البصر عنه، إن لم تكن بنيات جديدة، هناك روح جديدة للشعوب في هذه المنطقة التي تحيط بإسرائيل. في حرب لبنان لم يحارب حزب الله وحده الكيان العبري حاربت معه الشعوب، والشعب اللبناني وقف خلف المقاومة، شعب غزة قبل سنتين، وشعوب أخرى تحرر نفسها بدءاً من تونس، ومصر والخوف في دمشق. الريح هبت من الغرب المغاربي وتل أبيب لم تكن تتوقع هذه الانتقالة إلى القاهرة. لم يخرج الشعب لحرب إسرائيل أعلن الحرب على الفساد وعلى نظامه. الحرب على إسرائيل الذي استخدمته الديكتاتوريات العربية لم يعد مرفوعاً في الشوارع. الجيل الجديد ينظر إلى التنمية (شأنا استراتيجيا) وحربه ضد الفساد حربه الأولى قبل إسرائيل. كيف يبرر الجيش السطو على الحكم ؟
هل الجيش المصري يجدِّدُ حربه ضد إسرائيل ليربح حربه ضد الشعب، الديمقراطية أصبحت مطلباً والحرب ضد الفساد يعوض في الشوارع الحرب على إسرائيل ! في هذه المرحلة الانتقالية.
التحولات شديدة وعميقة إلى حد بعيد، عندما نلاحظ تحليق ف 16 على المتظاهرين في ميدان التحرير للقول إن مبارك قائد الطيران الجوي السابق يبقى رئيساً لمصر.
هذه الرسالة الخاطئة كشفت أن استعراض الجيش "لقوته" يعبر عن أزمة حقيقية يواجهها أمن مصر، وحيث يعتبر حكم الرئيس مبارك حكماً عسكريا.
والحرب ضد الديمقراطية تجر الجيش المصري إلى مرحلة استنزاف له، ترغب فيها إسرائيل أولا، وترى أمريكا أن عدم "دمقرطة" المجتمع المصري خطر على المنطقة كلها.
في تقرير أمريكي : هناك تخوف من أن يكون استقرار في مقابل الديمقراطية في السودان ومصر. عمر البشير بعد فصل الجنوب يعود إلى عسكريته : يرفض التعددية وينادي بتطبيق مبستر لما يعتبره الشريعة الإسلامية، الرئيس مبارك أعاد توغل الجيش المصري في السياسة للالتفاف على مطالب الشعب، والكولونيل القذافي يدافع عن مبارك وزين العابدين ؟!.
هذه الردة تجعل جيوش المنطقة تحمي الديكتاتورية، والبنتاغون يشير إلى أن نجاح تونس تم بفضل اتفاقيات عميقة مع الجيش. مصر ترفض مثل هذه الاتفاقيات، والقذافي يراوغ والبشير يبتز...
والخطورة التي تراها وزارة الدفاع تتمثل في أن تعمل الجيوش ضد الديمقراطية. وأن تكون "الحكومات عسكرية ومغلقة" في المستقبل القريب. انتقال السلطة في مصر ترمومتر (محرار) المنطقة وبوصلة لباقي الأنظمة العسكرية : الجزائر – القذافي في ليبيا - البشير في السودان، علي عبد الله صالح في اليمن وبشار الأسد في سوريا.
سيناريو الضغط على الجيش ليكون إلى جانب الشعب ويدير المرحلة الانتقالية لن يكون في مصر على شاكلة تونس. تريد القاهرة بعض الاختلاف. وعمر سليمان يقدم ضمانات لأمريكا منعت التوريث وسيمنع العسكر أن يقود الإسلاميون الحكومة مستقبلا. واشنطن لا تعتقد بأي التزامات إلا مع "المتظاهرين".
الجيش يمكن أن يحرس المرحلة الانتقالية ويديرها لأنه لا يرغب في حل مجلسي الشعب والشورى. إنه تركيب آخر على الطريقة الموريتانية. الجيش المصري بين النموذجين التونسي والموريتاني. هل هذا ما يفكر فيه المصريون ؟ يتساءل مراقب أمريكي.
الواقع أننا أمام نهاية (المباركية) كعقيدة، وإن بقي مبارك، كما أننا أمام بداية متجددة لعمل العسكريين في السياسة المصرية. توريث مبارك لابنه جمال رفضها الجيش، ولم يقرها الرئيس المصري في كل أحاديثه لأن ضغوط استخباراته وجيشه أقوى مما يظهر. والأمريكيون فضلوا أن يدعموا في مرحلة انتقالية جمال مبارك لقطع الطريق أمام الجيش، وأوباما رفض مرة واحدة : عودة الجيش إلى السياسة ثم التوريث على أن مبارك الذي خَوَّفَ واشنطن بحكم الجيش لمصر مرة أخرى اختار أن يعود إلى المؤسسة العسكرية تحت ضغط الشارع.
على الشعب المصري في ثورته الشعبية أن يقطع مع حكم العسكر ويدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، تضمن التحول. وهذا السيناريو يجعل منصب نائب الرئيس من دون معنى، كما يؤدي إلى صفقة خطيرة كشفها لما وراء الحدث قريب من عمر سليمان تقول بنود الصفقة : إن الرئيس ينتخب من طرف الشعب، ويبقى نائب الرئيس منصباً للعسكريين وللجيش، تعينه المؤسسة العسكرية، ويوافق عليه رئيس الجمهورية. فنائب الرئيس ليس محكوماً بأي انتخابات، ودائماً يكون الرئيس المنتخب مع نائب للرئيس يعينه الجيش تخليداً للثورة وحماية لأمن مصر القومي.
هذه الصورة تخدم في جزء منها أمن مصر وديمقراطيتها – في نظر المصدر –
هذه الصفقة إن تم اختيارها سيكون لها ما بعدها، لأن الجيش المصري في ضغطه الشديد على أعصاب نظام "يوليو" يكرس معنى آخر للانتقال، في السابق استعانت الثورة بالتكنوقراط لتدبير الدولة، وحاليا لا يمكن غير التوسع في عمل النظام بما يوحد الشعب، وما يريده الجيش من ضمانات لانتقال يولد انتقالاً آخر :
الانتقال من شرعية ثورة يوليو 1952 إلى "شرعية" ثورة يناير الشعبية
الانتقال إلى مرحلة ديمقراطية كاملة الأوصاف، بفترة انتقالية يحددها الدستور. فالبحث مزدوج عن شرعيتين : شرعية الانتقال من جهة، وشرعية المرحلة الانتقالية من جهة أخرى. وبالتالي، يظهر أن الجيش المصري تحت سقف الدستور حسب القانونيين.
انتقال مصر إلى الديمقراطية هو انتقال للأمة العربية إلى مرحلة أخرى، تقر إسرائيل من الآن أن هذا الشرق الأوسط الجديد آفة تعمل على إجهاضه وأمريكا تريد ولادته تحت مقاسها.
الثورة الشعبية لم تستفز المحيط بما فيه إسرائيل : الهدف واحد هو دمقرطة مصر، وهذا يعني أن السلام مع الكيان العبري حرَّر الشعب من عقدة المواجهة والدخول في مرحلة البناء (كما يقول معلق إسرائيلي) لكن معلقاً آخر يورد أن مصر انتقلت بفضل شعبها إلى مرحلة أخرى لا يدري أحد معالمها. ضبابية شديدة، لكنها واضحة لدى فئات خرجت إلى الشارع تريد إصلاحاً داخليا عميقاً وديمقراطية أكبر، وعلى الجوار المساعدة. أمريكا تدرك جيداً أن ثورة أخرى يجب أن ترث الأولى، بمعنى أن ثورة يناير 2011 يجب أن ترث ثورة يوليو 1952. والشرعية الثورية التي حكمت مصر تحولها بفعل تحرك شعبها إلى الديمقراطية الكاملة. تحول سيؤثر على باقي الإقليم، فمن مصر يمكن ميلاد شرق أوسط جديد، وليس من لبنان كما قالت رايس أو من إسرائيل كما قال رئيسها شيمون بيريز.
ورشة الديمقراطية بدأت مع تخفيف التواجد الأمريكي في العراق أو في الخليج، و "ربما يكون الانسحاب من العراق وأفغانستان وعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية إعادة استدعاء لأمريكا بطريقة فعالة إلى المنطقة".
لن نقرأ أن المتظاهرين يموتون، هناك "حياة جماعية تبدأ"، وروح الشعب تتجدد من روح الشهداء، الصورة دقيقة إلى حد يمكن القول معها إن الجيش المصري عليه أن يختار بعد الدفاع عن نفسه الدفاع عن الشعب والديمقراطية.
الصورة في عمومها تتجه إلى المزيد من التعقل، فمبارك عاجلاً أو آجلاً راحل، ومصر باقية، لكن هل خطوات نظام 22 يوليو ستساير الديمقراطية بكل معاييرها. والشعب أمام تاريخه، لأن مصادرة الثورات الشعبية لم يعد ممكنا. نظام يراهن على الوقت ومتظاهرون يراهنون على الشعب، وأمريكا تضغط بقطع مساعداتها (العسكرية) 1.8 مليار دولار عن الجيش للضغط على مبارك لانتقال منظم للسلطة لكن باتجاه واحد : الديمقراطية !
لقد انقلب مبارك على نفسه وعلى حزبه وعلى ابنه كما قال المصدر الأمريكي ودفع الجميع إلى الحائط.
الثورة في مصر ثورة من أجل حكم مدني كامل وضد تدخل العسكر مجدداً في السياسة، ثورة أخرى تذكر بيوليو 1952 ضد ثورة الشارع، ثورتان في وقت واحد، وقد انحرف الوضع ضد الشعب من أجل بقاء النظام وحمايته. الدستور الذي صنعه العسكر أعاد السلطة إليهم.
أمام الجيش خياران : أن يكون نموذجه تونس أو مصر ؛ "والعيب أن يهرب الرئيس مبارك من شعبه" وهو اليوم لاجئ في يد الجيش، وبصورة ملزمة : القفزة كبرى باتجاه أن يقود الجيش كل شيء.
من جهة أخرى الإسلاميون في تونس غير الذين في مصر، راشد الغنوشي الذي تدرس كتبه في تركيا يفضل النموذج التركي الذي يحفظ للجيش التزامه بالديمقراطية والدستور. أما جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فالأمر لا يزال متوتراً.
الإسلاميون في تونس أنجحوا الثورة إلى جانب الجيش، والإخوان في مصر أضعفوا الثورة وقدموا للجيش ولمبارك ما يبرر انقلاباً مضاداً وارتداديا. فزاعة الإسلاميين انتهت كما قال أوباما – الذي يعرف الإسلام والإسلاميين - لمستشاريه.
الجيش لا يحمي النظام بل الدولة، وهذا ما جعل المهمات الرئيسة له : إعادة تقدير الأوضاع بما يكفل أن يتدخل، وقد عمل الجميع على "صناعة المبرر" لتدخله في مصر من خلال النظام، ومن طرف الشعب في ثورة تونس.
هل يمكن أن يكون النموذجان متضادان : جيش تونس حارساً للديمقراطية وجيش مصر حارساً للديكتاتورية ؟
هذا الانقسام خطير إلى حد بعيد، أولاً الجيش في تونس قام بمحاولات انقلاب فاشلة لكنه لم يحكم وثورة عسكرية ضرورية في مصر إلى جانب ثورة يناير 2011.
المجتمع مع انتخابات حرة والعسكر انضم إلى الاحتجاجات ضد التوريث، ثم انقلب على حركة الشعب عندما أعاد مبارك السلطة إلى الجيش.
حماية الثورة لم يعد لها معنى، فالثورة التي يحميها الجيش تضع أمامها خياران : حماية ثورة الشعب في مقابل تخليه عن ثورته (1952) أي حماية ثورة يوليو في مقابل ثورة يناير (الشعبية)، وهذا لن يكون.
الشرعية الثورية التي ينادي بها الشعب نازعت ثورة الجيش وبالتالي قفز العسكر خارج المعادلة.
أمريكا التي تقع بين المطرقة والسندان تقرأ الوضع من جانب واحد : أن الاتفاقيات التي وقعتها مع الجيش المصري لا تسمح لها بالضغط على الجيش ؛ ويمكن ممارسته على مؤسسة الرئاسة، وعلى مبارك، لكن الأخير لا يود "سماع أوباما" لأن تأييده الشديد لثورة تونس نقل الحراك إلى مصر. مبارك لم يقدم لأمريكا أي تنازل، وقدم كل التنازلات إلى الجيش المصري : الرئاسة والحكومة دفعة واحدة، احتل الداخلية وجعل وزيرها يعمل تحت إمرة الجيش وانطلق الجنرال طنطاوي إلى وسط القاهرة. في هذه المتابعة عبر سفير أمريكا في القاهرة عن تخوفه مما دعاه "قفزة كبرى إلى الخلف" ولم يعد مهما التوجه أكثر إلى الأمام، الثمن كان غالياً لواشنطن، إما توريث جمال والقطع مع الجيش ليكون جمال مبارك أول رئيس مدني في مصر، أو حكماً عسكريا شموليا في الرئاسة ورئاسة الحكومة في القاهرة.
نقطة تحول "كبير" في الشرق الأوسط حيث اعتبرت "يدعوت أحرنوت" وجرائد أخرى أن "شرقاً أوسطاً جديداً" أشرق، وأمريكا تريد أن يكون نصيبها "كبيراً" إلى جانب الأنظمة الجديدة وثورات الشعوب في تحول تاريخي يصعب تغاضي البصر عنه، إن لم تكن بنيات جديدة، هناك روح جديدة للشعوب في هذه المنطقة التي تحيط بإسرائيل. في حرب لبنان لم يحارب حزب الله وحده الكيان العبري حاربت معه الشعوب، والشعب اللبناني وقف خلف المقاومة، شعب غزة قبل سنتين، وشعوب أخرى تحرر نفسها بدءاً من تونس، ومصر والخوف في دمشق. الريح هبت من الغرب المغاربي وتل أبيب لم تكن تتوقع هذه الانتقالة إلى القاهرة. لم يخرج الشعب لحرب إسرائيل أعلن الحرب على الفساد وعلى نظامه. الحرب على إسرائيل الذي استخدمته الديكتاتوريات العربية لم يعد مرفوعاً في الشوارع. الجيل الجديد ينظر إلى التنمية (شأنا استراتيجيا) وحربه ضد الفساد حربه الأولى قبل إسرائيل. كيف يبرر الجيش السطو على الحكم ؟
هل الجيش المصري يجدِّدُ حربه ضد إسرائيل ليربح حربه ضد الشعب، الديمقراطية أصبحت مطلباً والحرب ضد الفساد يعوض في الشوارع الحرب على إسرائيل ! في هذه المرحلة الانتقالية.
التحولات شديدة وعميقة إلى حد بعيد، عندما نلاحظ تحليق ف 16 على المتظاهرين في ميدان التحرير للقول إن مبارك قائد الطيران الجوي السابق يبقى رئيساً لمصر.
هذه الرسالة الخاطئة كشفت أن استعراض الجيش "لقوته" يعبر عن أزمة حقيقية يواجهها أمن مصر، وحيث يعتبر حكم الرئيس مبارك حكماً عسكريا.
والحرب ضد الديمقراطية تجر الجيش المصري إلى مرحلة استنزاف له، ترغب فيها إسرائيل أولا، وترى أمريكا أن عدم "دمقرطة" المجتمع المصري خطر على المنطقة كلها.
في تقرير أمريكي : هناك تخوف من أن يكون استقرار في مقابل الديمقراطية في السودان ومصر. عمر البشير بعد فصل الجنوب يعود إلى عسكريته : يرفض التعددية وينادي بتطبيق مبستر لما يعتبره الشريعة الإسلامية، الرئيس مبارك أعاد توغل الجيش المصري في السياسة للالتفاف على مطالب الشعب، والكولونيل القذافي يدافع عن مبارك وزين العابدين ؟!.
هذه الردة تجعل جيوش المنطقة تحمي الديكتاتورية، والبنتاغون يشير إلى أن نجاح تونس تم بفضل اتفاقيات عميقة مع الجيش. مصر ترفض مثل هذه الاتفاقيات، والقذافي يراوغ والبشير يبتز...
والخطورة التي تراها وزارة الدفاع تتمثل في أن تعمل الجيوش ضد الديمقراطية. وأن تكون "الحكومات عسكرية ومغلقة" في المستقبل القريب. انتقال السلطة في مصر ترمومتر (محرار) المنطقة وبوصلة لباقي الأنظمة العسكرية : الجزائر – القذافي في ليبيا - البشير في السودان، علي عبد الله صالح في اليمن وبشار الأسد في سوريا.
سيناريو الضغط على الجيش ليكون إلى جانب الشعب ويدير المرحلة الانتقالية لن يكون في مصر على شاكلة تونس. تريد القاهرة بعض الاختلاف. وعمر سليمان يقدم ضمانات لأمريكا منعت التوريث وسيمنع العسكر أن يقود الإسلاميون الحكومة مستقبلا. واشنطن لا تعتقد بأي التزامات إلا مع "المتظاهرين".
الجيش يمكن أن يحرس المرحلة الانتقالية ويديرها لأنه لا يرغب في حل مجلسي الشعب والشورى. إنه تركيب آخر على الطريقة الموريتانية. الجيش المصري بين النموذجين التونسي والموريتاني. هل هذا ما يفكر فيه المصريون ؟ يتساءل مراقب أمريكي.
الواقع أننا أمام نهاية (المباركية) كعقيدة، وإن بقي مبارك، كما أننا أمام بداية متجددة لعمل العسكريين في السياسة المصرية. توريث مبارك لابنه جمال رفضها الجيش، ولم يقرها الرئيس المصري في كل أحاديثه لأن ضغوط استخباراته وجيشه أقوى مما يظهر. والأمريكيون فضلوا أن يدعموا في مرحلة انتقالية جمال مبارك لقطع الطريق أمام الجيش، وأوباما رفض مرة واحدة : عودة الجيش إلى السياسة ثم التوريث على أن مبارك الذي خَوَّفَ واشنطن بحكم الجيش لمصر مرة أخرى اختار أن يعود إلى المؤسسة العسكرية تحت ضغط الشارع.
على الشعب المصري في ثورته الشعبية أن يقطع مع حكم العسكر ويدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، تضمن التحول. وهذا السيناريو يجعل منصب نائب الرئيس من دون معنى، كما يؤدي إلى صفقة خطيرة كشفها لما وراء الحدث قريب من عمر سليمان تقول بنود الصفقة : إن الرئيس ينتخب من طرف الشعب، ويبقى نائب الرئيس منصباً للعسكريين وللجيش، تعينه المؤسسة العسكرية، ويوافق عليه رئيس الجمهورية. فنائب الرئيس ليس محكوماً بأي انتخابات، ودائماً يكون الرئيس المنتخب مع نائب للرئيس يعينه الجيش تخليداً للثورة وحماية لأمن مصر القومي.
هذه الصورة تخدم في جزء منها أمن مصر وديمقراطيتها – في نظر المصدر –
هذه الصفقة إن تم اختيارها سيكون لها ما بعدها، لأن الجيش المصري في ضغطه الشديد على أعصاب نظام "يوليو" يكرس معنى آخر للانتقال، في السابق استعانت الثورة بالتكنوقراط لتدبير الدولة، وحاليا لا يمكن غير التوسع في عمل النظام بما يوحد الشعب، وما يريده الجيش من ضمانات لانتقال يولد انتقالاً آخر :
الانتقال من شرعية ثورة يوليو 1952 إلى "شرعية" ثورة يناير الشعبية
الانتقال إلى مرحلة ديمقراطية كاملة الأوصاف، بفترة انتقالية يحددها الدستور. فالبحث مزدوج عن شرعيتين : شرعية الانتقال من جهة، وشرعية المرحلة الانتقالية من جهة أخرى. وبالتالي، يظهر أن الجيش المصري تحت سقف الدستور حسب القانونيين.
انتقال مصر إلى الديمقراطية هو انتقال للأمة العربية إلى مرحلة أخرى، تقر إسرائيل من الآن أن هذا الشرق الأوسط الجديد آفة تعمل على إجهاضه وأمريكا تريد ولادته تحت مقاسها.
الثورة الشعبية لم تستفز المحيط بما فيه إسرائيل : الهدف واحد هو دمقرطة مصر، وهذا يعني أن السلام مع الكيان العبري حرَّر الشعب من عقدة المواجهة والدخول في مرحلة البناء (كما يقول معلق إسرائيلي) لكن معلقاً آخر يورد أن مصر انتقلت بفضل شعبها إلى مرحلة أخرى لا يدري أحد معالمها. ضبابية شديدة، لكنها واضحة لدى فئات خرجت إلى الشارع تريد إصلاحاً داخليا عميقاً وديمقراطية أكبر، وعلى الجوار المساعدة. أمريكا تدرك جيداً أن ثورة أخرى يجب أن ترث الأولى، بمعنى أن ثورة يناير 2011 يجب أن ترث ثورة يوليو 1952. والشرعية الثورية التي حكمت مصر تحولها بفعل تحرك شعبها إلى الديمقراطية الكاملة. تحول سيؤثر على باقي الإقليم، فمن مصر يمكن ميلاد شرق أوسط جديد، وليس من لبنان كما قالت رايس أو من إسرائيل كما قال رئيسها شيمون بيريز.
ورشة الديمقراطية بدأت مع تخفيف التواجد الأمريكي في العراق أو في الخليج، و "ربما يكون الانسحاب من العراق وأفغانستان وعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية إعادة استدعاء لأمريكا بطريقة فعالة إلى المنطقة".
لن نقرأ أن المتظاهرين يموتون، هناك "حياة جماعية تبدأ"، وروح الشعب تتجدد من روح الشهداء، الصورة دقيقة إلى حد يمكن القول معها إن الجيش المصري عليه أن يختار بعد الدفاع عن نفسه الدفاع عن الشعب والديمقراطية.
الصورة في عمومها تتجه إلى المزيد من التعقل، فمبارك عاجلاً أو آجلاً راحل، ومصر باقية، لكن هل خطوات نظام 22 يوليو ستساير الديمقراطية بكل معاييرها. والشعب أمام تاريخه، لأن مصادرة الثورات الشعبية لم يعد ممكنا. نظام يراهن على الوقت ومتظاهرون يراهنون على الشعب، وأمريكا تضغط بقطع مساعداتها (العسكرية) 1.8 مليار دولار عن الجيش للضغط على مبارك لانتقال منظم للسلطة لكن باتجاه واحد : الديمقراطية !
الإثنين سبتمبر 19, 2016 12:37 pm من طرف مرام
» موسوعة علوم الفضاء
الخميس ديسمبر 17, 2015 1:13 am من طرف عمر علي
» التنمية الاقتصادية والتجارة الخارجية
السبت ديسمبر 05, 2015 12:27 am من طرف aboudaorg
» الصفائح التكتونية
الجمعة سبتمبر 25, 2015 9:43 am من طرف aboudaorg
» السواحل في المغرب
الجمعة مايو 15, 2015 2:18 pm من طرف houssin
» ظاهره الكارست
الأحد ديسمبر 21, 2014 7:43 am من طرف مينو
» حصري موقع به خرائط لمختلف مناطق المغرب ذات مقياس 1.250,000
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 7:50 am من طرف مدير المنتدى
» الاتجاهات الحديثة في تخطيط المدن
الجمعة سبتمبر 26, 2014 9:42 am من طرف giftadism
» كتاب فى نظم المعلومات الجغرافية طبعة 2008
الأربعاء سبتمبر 10, 2014 8:45 pm من طرف mahdi_maafa